Monday, April 30, 2007

حرف الصراع

أود في البداية أن أشكر صديقي ورفيقي المهندس هاني عبد الغفار الذي ألهمني هذا الموضوع من خلال موقف تعرض له، وعند روايته هذا الموقف لي، تداعت الأفكار لتقودني في النهاية لهذا الحرف.

حدثني صديق ذات يوم عن موقف يدعو للسخرية تعرض له أثناء ركوبه مواصلة عامة عائدا لوحدته في الجيش، وذلك بعد أن أمضى إجازته الأسبوعية وسط أهله في منزله، وأثار هذا الموقف سخرية صديقي لدرجة كبيرة رغم ما فيه من إهانة، ولكن كلمة صديقي المفضلة هي "إذا تكلم السفيه فلا ترد" ومن هذا المنطلق كان رد فعل هذا الصديق التجاهل التام.
فأثناء رحلته أشار رجل ملتحي يقف و زوجته بالطريق انتظارا لأي مواصلة لسائق سيارة الأجرة التي تقل صديقي كي يتوقف، ولكن السائق تجاهلة لكون سيارته لا تسع سوى راكبا واحدا، فما كان من الرجل إلا أن صاح لاعنا السائق، وتداعى الموقف ليصبح معركة بين الرجل و السائق. نزل صديقي من السيارة ليرى ما يمكن عمله، وبمجرد أن رآه الرجل صاح في السائق متعجبا مشمئزا: "وكمان مركب معاك مرتزقة!!" وعاود العراك معه وذلك لكون صديقي مرتديا ملابسه الرسمية.
وما أن سمعت هذا الموقف من صديقي وأنا اتسائل من هو المرتزق؟ أهو هذا الشخص الذي يبيع خبراته القتالية من أجل المال بغض النظر عن القضية التي يدفع بروحه ثمنا لها، أم هو ذاك الشخص الذي لا قضية له من الأساس، أم هو انسان لا يملك من المؤهلات سوى القتال فاعتبر هذا مجرد وسيلة لكسب الرزق؟
وهذا التساؤل قادني بتداعي الأفكار لسؤال آخر وهو "ما هي القضية التي تستحق القتال لأجلها، وبذل الغالي للانتصار لها" بل ما هو القتال في حد ذاته؟
الحياة قتال دائم وصراع، لا سلام فيه ولا هدنة، إنما هو عراك دائم مستمر يدور بداخل الإنسان، بداخله فقط، وما نتيجة العراك و القتال الا انتصار لقوى الخير و الشر بداخلنا. وكما تكلمت في حرف الرغبة عن الخطوط المتضادة ونشوء الرغبة كمحصلة انتصار احد الخطوط على الآخر، كان لابد من القتال لكي تتحقق هذه الغلبة، فقتال النفس صراع عميق أزلي مرهون بحياة المرء من يوم ولادته وحتى تفارقه روحه، صراع بين سلبيات و ايجابيات، عراك بين دوافع و ضوابط، قتال بين الخير و الشر في أعنف صوره و أعقدها و أكثرها غموضا، و الفائز في النهاية هو من يحدد هوية الإنسان فالإنسان محصلة هذا الصراع.
وإذا كان هناك قتال، وجب وجود السلاح، فلا قتال بلا سلاح. وسلاح النفس العقل وقوة العقل تكمن في نفخة روح الله، التي ميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات. دعونا إذن نختار السلاح و نتأهب للقتال ولا نصبح مجرد مرتزقة نبيع خبراتنا للشيطان. دعونا ننتصر في هذه المعركة ... معركة النفس.

Wednesday, April 25, 2007

حروف الطبيعه
بداخل كل منا كنز، يقدر البعض على اخراجه، والبعض الآخر يعجز، ونار الانسانية لا تخمد، تارة تجدها مشتعلة في أشخاص، وفي آخرون هي جذوة تضيء لأضيق الحدود ولا تعطي الدفء ولا الأمان، وثمة نار تحرق وتخرب، ونار تبني وتحرك، والرماد لا وجود له، حتى بعد فناء الانسان، فانسانيته لا تفني ويظل موجودا في الحياة ببصمته فيها، بالخير او بالشر.
والطبيعه كتاب لا يقرأه سوى المبصرين بعقولهم لا بأعينهم. فكم منا مر ببصره موقف أو شخص وتعلم منه، وكم منا لا يرى من الحياة سوى القشور ويمر بها مرور الكرام، كمسافر في قطار لا يرى أبعد من زجاج النافذه ولا يحاول أن يمد بصره ليستكشف ما وراء هذا الزجاج.
دعونا إذن نغمض عيوننا ونفتح عقولنا وقلوبنا لنقرأ بها هذا الكتاب ونتعلم من الطبيعه، دعونا نسرد الحروف حرفا حرفا نستكشف ما وراءه ونعرف ما خفي عن عيوننا، نقلب في صفاحته لتزداد انسانيتنا ونسمو بأخلاقنا و أرواحنا ونزيد النار اشتعالا وتقنينا، دعونا نبحث عن الكنوز الدفينة بداخلنا نستخرجها ونفيد بها لنستحق عن جدارة لقب الأحياء.

حرف الرغبة:
"الرغبة هي الدافع و المحرك"، هذا القول كثيرا ما سمعناه و صدقناه و اصبح مبدأ لدينا نعيش به، وتدور المحاولات دائما لكبت الرغبة - خصوصا ما نسميه بالرغبات المنحرفة – عن طريق ايقاف الدافع لهذه الرغبة. ولكن هنا يجب التساؤل "هل الرغبة هي الدافع أم الدافع هو ما يولد الرغبة" بمعنى آخر هل فكرتنا عن كون الرغبة هي دافع صحيحة أم لا؟
في البداية لابد وأن نتفق على أن النفس الإنسانية مبنية على عدة خطوط متوازية منها الدوافع و الضوابط. فكما خلق الله سبحانه وتعالى النفس مشحونة بالدوافع كان لابد من وجود الضوابط لضمان الاعتدال، وهذا تأكيدا لمبدأ التضاد الذي خلق عليه الكون. أي أن النفس البشريه يحركها الدافع لفعل شيء ما والضابط يأتي لضمان الاعتدال في هذا الاندفاع، ولكن ما دور الرغبة هنا، هذا هو السؤال.
الرغبة تعبر عن الزياده في اتجاه الدافع او الضابط، فعلى سبيل المثال كل انسان مخلوق بدافع الميل للجنس الآخر، والضابط مهمته تقليل هذا الاندفاع، لكن لو زاد الدافع او بمعنى ادق قل الضابط ظهرت الرغبة في الجنس الآخر. وعلى العكس من هذا لو زاد الضابط ظهرت الرغبة متمثله في الزهد في الجنس الآخر، وهذا الزهد من المستحيل ان يزيد ليصل الى حد الاستعناء وإلا كان هذا يعني اختفاء الدافع تماما وهو مالا يحدث.
من هنا يتضح أن الرغبة ما هي إلا ترجمة للميل في اتجاه الدافع أو الضابط أي أن الرغبة لا تتولد إلا بزيادة أحد الطرفين عن الآخر. ومن رحمة الله سبحانه وتعالى بنا أن جعل وجود الانسان المتعادل مستحيلا وإلا فنيت الحياة فكيف يعقل أن يوجد هذا الشخص معدوم الرغبة.
الرغبة في النجاح منبعها زيادة ضوابط الالتزام عن دوافع العشوائية، والرغبة في الثراء منبعها الزيادة في دوافع حب الذات عن ضوابطها، وهكذا نجد أن الحياة كلها رغبات تحركها الدوافع و الضوابط، و الانسان السوي هو من يملك مفاتيح دوافعه و ضوابطه يحركها في الاتجاه السليم لتشتعل رغباته في اتجاهاتها الصحيحه، أي ان أحد معالم النفس السليمة هو كيفية سيطرتك على دوافعك و ضوابطك لكي تحصل على الرغبة المطلوبة. وهذا أول مفتاح من مفاتيح كنز النفس الأنسانية.